كانت قاعة ندوات بجنيف السويسرية مسرحا لنقاشات مستفيضة حول حالة حقوق الإنسان بالقارة الإفريقية، وبمخيمات تندوف على وجه التحديد. ويدخل تنظيم هذه الندوة في إطار تفاعل مكونات المجتمع المدني القادم من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية بتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان والمعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مع الأنشطة والفعاليات الجانبية المبرمجة على هامش الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان والقضايا المواضيعية المثارة في جدول أعمال المجلس الأممي.
فقد تميز اللقاء الذي نظم يوم الأربعاء 26 يونيو الجاري، بتناول الخبراء والمدافعين عن حقوق الإنسان لموضوع حالة الحقوق والحريات بإفريقيا ومخيمات تندوف، بالتفصيل وسلطوا الضوء على مكمن الخلل في بقاء مخيمات تندوف رادار مراقبة هيئات الأمم المتحدة التعاقدية وغير التعاقدية واستحالة قيام المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان بعمليات رصد وتوثيق عميق لما يتم ارتكابه من فظاعات، وانتهاكات جسيمة لا تستطيع اليات الأمم المتحدة النفاذ إليها في ظل تعنت السلطات الجزائرية المستمر باعتبارها حاضنة لهذا التنظيم العسكري القمعي.
وقد تنوعت محاور الندوة ما بين معضلة تجنيد الأطفال وحقوق المرأة والتعسف في استعمال الحقوق الثقافية، حيث بين المتدخلون بالحجج وبالبراهين قتمة الوضع الحقوقي في المخيمات وتآكل أحلام وآمال بالمخيمات في إيحاد حل نهائي لهذا الوضع المأساوي الذي ما فتئ يزداد سوءا بسبب صلافة وعنجهية قادة تنظيم البوليساريو الذين لا يرون في صحراويي المخيمات غير سلع للمقايضة والرهن محليا ودوليا لاستجداء المساعدات الدولية وخدمة الحليف في مشروعه العدواني الهادف إلى فرملة تنمية جاره الشمالي وإشعال حرائق في الأقاليم الجنوبية متوكأ على فبركة حملات كراهية وحقد بين أوساط الصحراويين المغاربة لتحريضهم على إخوانهم في شمال المملكة.
ولم يغفل الدكتور عبد القادر الفيلالي، رئيس المركز الدولي لمنع تجنيد الأطفال بجهة الداخلة واد الذهب، أن يسطر على خطورة إقحام الأطفال القاصرين في الأعمال العدوانية التي تنشأ مكونات المجتمع الدولي أو أثناء نشوب نزاعات مسلحة غير دولتية.
وأضاف أن مسألة تجنيد الأطفال، تصنف من الجرائم الستة التي تشرف على رصدها وتوثيقها الية الرصد والإبلاغ بموجب قرار مجلس الامن رقم 1612، المنشئ للفريق العامل التابع لمجلس الأمن المعني بالأطفال والنزاع المسلح، وأسترسل الدكتور الفيلالي بضرورة إقحام دولة الجزائر في القائمة المرفقة بتقارير الأمين العام للأمم المتحدة كجهة ضالعة في السكوت عن تجنيد الأطفال الصحراويين او استخدامهم في أعمال السخرة، في تنافي تام مع القانون الدولي.
ونوه المتحدث بعمل منظمات المجتمع المدني الجدي في التعاطي مع إشكالات تجنيد الأطفال ذات الصلة في مخيمات تندوف، وطالب بتظافر جهود مكونات الفضاء المدني المغربي للتصدي للظاهرة دوليا وإقليميا بتعاون ماع المركز الدولي لمنع تجنيد الأطفال، وفضح الجهات الضالعة في تجنيد الأطفال بالمخيمات وبالدولة المضيفة وتسليط الضوء على هذه المعضلة، لما يحوزه الأطفال من حماية معززة بمقتضيات اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها الاختيارية الملحقة، والية ممثل الأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح وغير من الاليات التعاهدية وغير التعاهدية.
وفي محاور اخر أشارت الأستاذة نور بوحنانة، ممثلة لمؤسسة الجيل الجديد للتنمية الإنسانية، أن الأطفال يتعرضون لأكثر الانتهاكات بشاعة، عبر تهجيرهم القسري والمطول الى الخارج في صفقات سمسرة بين ممثلي تنظيم البوليساريو والمشرفين على جمعيات الدعم، التي ما فتئت تزكم الأنوف بفضائح قتل هؤلاء الأطفال أو استغلالهم جنسيا أو تعزيز انسلاخهم من قيمهم الحضارية ومحيطهم الاجتماعي والبيولوجي.
وتابع السيدة بوحنانة الكثير من الفتيات من اللواتي تم تسفيرهن الى الخارج بغرض العلاج أو الدراسة في سن مبكرة، لم يعدن يرغبن في العودة الى المخيمات والالتقاء بعائلاتهن البيولوجية، نظرا لما تعرضن له من شحن إيديولوجي ومسخ قيمي شوه تمثلات هؤلاء الأطفال للصحراء وثقافتها، وأصبحوا لا يصلحون سوى للعرض في ساحات الدول الغربية وفي كنائسها لتكديس أموال المساعدات وإعادة استثمارها في الخارج من طرف وسطاء الاتجار في البشر المقيمين بدول إقامة هؤلاء الأطفال.
وأضافت الأستاذة نور أن هذه العمليات تكررت غير ما رمة، وأصبح من الصعب افراد عائلات الأطفال البيولوجية استرداد فلذات أكبادهم، بسبب فساد اخلاقهم لما تعرضوا من تشويه ذهني ناتج عن غياب التأطير والمرافقة اللصيقة لهؤلاء اليافعين في سن مبكرة، وعدوانية العائلات الأجنبية المضيفة لهؤلاء الأطفال، حيث تلجأ في الغالب لأجهزة أمن بلدانها ومؤسسات قضائها لترجيح مصلحتها على المصالح الفضلى للأطفال. وتجدر الإشارة حسبما نوهت الأستاذة بوحنانة، من بين الالاف من الأطفال الصحراويين لم يتمكن سوى العشرات من الإباء من استرجاع أبنائهم بعد ولوج مسار قضائي شاق ومليء بالأشواك، أثناء متابعة مراحل التقاضي وطنيا.
واختتم السيد أبو بكرين الجرا، ممثل لجنة الخبراء الإفريقية المعنية بحقوق الطفل ورفاهه التابعة للاتحاد الإفريقي، ببسط بمحة مثيرة للقلق بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي دأب تنظيم البوليساريو العسكري على ارتكابها في منطقة الساحل وبمخيمات تندوف. وأجمع المشاركون في هذه الندوة الدولية التي تناولت بالشرح والتحليل حقوق الإنسان بإفريقيا، وما يتعرض له الأطفال من انتهاكات خطيرة تقوض السلم والأمن بالمنطقة، على ضرورة تكاثف الجهود وإطلاق حملات مناصرة لحماية الأطفال في مخيمات تندوف وفي باقع مناطق إفريقيا الملتهبة، والدعوة الى مزيد من التضامن الدولي والالتزام المحلي من أجل فرض التزام دولة الجزائر بتقديم معلومات موثوقة لالية الرصد والتبليغ، تنفيذا لقرار مجلس الامن رقم 1612، وكذا التعاون مع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل على مستوى تقديم التقارير الدورية، خصوصا التقارير المتعلقة باستفحاص وفاء الدولة الطرف بالتزاماتها بموجب البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال بالنزاعات المسلحة.