حياد24/محمد يوسفي

جميل هذا الطقس غير المعهود في هذه المدينة، الانفتاح على السينما عبر عرض أشرطة وثائقية ثقافية لازالت “دور العرض” في هذه المدينة لم تتوفر فيها شروط أفضل، هذا إن سلمنا بتسميتها دورا للعرض. فالعيون لازالت تفتقر لقاعات السينما، اللهم الخبر الذي جاءنا في هذا العرض، عن عزم وزارة الثقافة إنشاء عدد من دور السينما بالجهة تفوق ستة دورٍ بمختلف الأقاليم.
لا شك ان هذا التحول إلى الاستثمار في السنيما والافلام الوثائقية على وجه التحديد، عبر انشاء صندوق خاص بالافلام السينمائية المهتمة والمتحدثة عن الثقافة الحسانية، والذي لا يخلو من أبعاد/رسائل سياسية، لا شك أنه فرض فتح آفاق أكثر وتوفير ظروف أجود لهذا النوع من الانتاج/الصناعة الثقافية.

بعيدا عن الشكل، وبدخولنا لتفاصيل الفيلم الوثائقي، وكأول مشاهدة لما ينتج من أفلام سينمائيه بخصوص الثقافة الحسانية، إلى جانب مقاطع من فيلم “العزيب” قبل مدة، انتابتني فرضية تقول انه هناك اتجاه نحو الإعتناء بالصورة والصوت خلال هذه الأفلام أكثر من الإعتناء بالقصة.

ففيلم “السداب”، الذي يحكي تفاصيل الطريقة التقليدية في ترويض الإبل بالصحراء، لما للإبل من رمزية في الثقافة الحسانية، وسرد مختلف تفاصيل ترويضها ورعيها في فضاء صعب هو الصحراء، من خلال شاب صحراوي يهوى ويعيش على تربية الإبل متخصص في ترويضها وركوبها.

أجتهد الفيلم، كما افترضت، على الصورة أكثر من حبكة القصة، او التركيز على زوايا معالجة أخرى، تضع ذلك المروض محط الاهتمام ومركز الفيلم بدل أن يتجه الاهتمام الى طريقة الترويض.

قضية ان الفيلم تم تصويره في زمن كورونا، هو معطى كان يمكن إظهاره واستثماره أكثر، لكن التركيز الأكبر بالنسبة لي، كان من الأفضل أن يتجه صوب ذلك اللقاء الصدفة لموريتانيين في أرض “زمور لكحل” ضواحي السمارة الفيحاء. لقاء بطعم المشترك في القصة الرئيسية، الإبل والرعي و”السداب” وحياة البدو الرحل، بين ابناء البلد الواحد خارج الديار “الحدود”، لكنها في بعد اخر هي نفس الحدود باعبار المشترك في المجال من تضاريس وبيئة وثقافة، او كشكل من أشكال ثقافة هذا المجال باعتبار الشخصية الثالثة المطرب ابن مدينة السمارة…

هي تفاصيل بعضها لم يذكر إلا من خلال كلمة المخرج عقب العرض، وبعضها لم يتم التركيز عليه بشكل كبير، او لنقل هو اختلاف زوايا النظر، فلو كان الغرض الاكبر التركيز على قصة “السداب” محمد، لفهمنا انه موريتاني منذ البدء، وانخرطنا في قصته، لكن، لعل ما حال دون ذلك جزء صامت طويل نسبيا ضمن 58 دقيقة، اتجهت فيه الأنظار نحو الإبل والفضاء والمجال التي سرقت تركيز المشاهد أكثر من قصة “السداب”/المروِض.

ومن ضمن التفاصيل التي كان ذكرها واجبا، ولو في شكل حوار او حكي، بطولات وألقاب هذا المروض في سباق الهجن، والذي تربع على بطولة طانطان لهذا النوع من السباق لنسخ عديدة، ناهيك عن مشاركاته وتجاربه في الخليج، وهي تفاصيل عرفناها من خلال مداخلة المخرج مجيبا على أسئلة الطلبة.

58 او 56 دقيقة، كان يمكن إدراج تفاصيل أكثر ضمن هذه المساحة الزمنية، إلى جانب الصورة والصوت، وإلى جانب ما ذكرته هناك تفاصيل قد تكون ثانوية لكنها مهمة، من قبيل الشوق لحلبة السباق في زمن الوباء، الإستعانة بلاند روفير التي لم تظهر في الصورة، إذ تترجم ابعادا عدة بما هي ارث هذه الربوع، وهي تمظهر للتطور في الصحراء حتى كانت تدعى سفينة الصحراء على تسمية الإبل، وجاءت بعدها لوند كرويزر المنتشرة بدورها بين أهل الكسب، وإن كان في ذلك جوانب إشهارية…، ناهيك عن معرفة الأشياء المستحدثة التي لن تكن في مجال رعي الإبل عن طريق البطل نفسه، ومن ضمنها مهنته كما فهمنا لاحقا…

يمكن أن أضيف مسألة تقنية، رغم ان هذا ليس تخصصي، لكنها مرتبطة بالدرون، فاستخدامها سيضيف جمالية اكبر للصورة والمجال، ولا اخفي فرضية إمكانية وجود دواعي أمنية لعدم استعمالها في هذه المناطق.

نتمنى ان يستمر هذا التقليد في عرض وقراءة الأفلام السينمائية ونقدها، لمواكبة آخر صيحات وتحديثات هذا التخصص، القسم الوثائقي، على أمل قاعات سينيمائية أفضل، بشاشات احترافية بمعايير مهنية وبمقاعد أكثر أريحية.