محمد يوسفي/”تعرية”

العلم في تعريفه البسيط موضوع ومنهج. وبتطور العلوم والابستمولوجيا أخذت العلوم الإنسانية والاجتماعية لنفسها ابستمولوجيا خاصة، تأسست على أعمال كارل بوبر وغاستون باشلار وطوماس كوهن الذي أبدع مفهومة جديدا من داخل مبحث المعرفة هذا يدعى الباراديغم، وهو في أحد تجلياته ما اتجهت له الجماعة العلمية في مدة زمنية معينة، متضمنا نسبية الحقائق ومبادئ التقدم والتطور ضمن “بنية الثورات العلمية”.

هي توطئة راسخة من زمن التكوين الأكاديمي، في أحد أكثر العلوم إزعاجا، وجدت نفسي أستعين بها كخلفية منهجية تعي حقيقة العلم، وتميزه عن المعارف. وكانت توطئة أردت من خلالها ولوج مفهوم “العلمية”، الذي جاءت به ندوة حول “الإعلام والثقافة الحسانية” افتقرت لملامح العلمية ضمن المداخلات.

إن زعم إثارة موضوع-عنوان فضفاض بالندوة العلمية لهو أمر له شروطه الأكاديمية، بدء بتحديد وحصر تيمة الندوة بشكل لايقبل التيه في دروب الاشكالات والقضايا الهامشية المرتبطة بالموضوع-التيمة. ناهيك عن تنوع المداخلات بين العلوم والحقول المعرفية من جهة، وبزاويا واشكاليات فرعية محددة لا تقبل الضبابية والتأويل.

ومادمنا فد افتتحنا هذه “التعرية” بالتوقف عند الشكل، فإن الندوة كانت مثالا لسوء التنظيم والارتباك الذي صاحب المهرجان، ذلك أنها لم تنطلق لغاية السابعة مع أنها كانت مقررة على الخامسة، ناهيك عن ارتباك واضح في التنظيم، وحال لسان هذا الارتباك يقول: “يدوز غي الافتتاح الي فيه الوالي ومن بعد هانية”، كأن الأنشطة أصبحت موجها لوالي الجهة والمنتخبين فقط.

وبانتقالنا من “تعرية” الشكل نحو “تعرية” المضمون/المداخلات، يتضح مرة أخرى أنها لم تتسم فعلا بالعلمية المطلوبة في إثارة هذا العنوان الفضفاض “الإعلام والثقافة الحسانية” من زاية من الزوايا.
فهاهي مداخلة تخبرنا أن قناة العيون لديها صفحة عبر فيسبوك ويوتيوب، وتخبرنا أن هناك مواقع إعلامية ولديها مشاهدات، محاوِلةالمداخلةمقاربة الموضوع من الزاوية الرقمية، معرجة على صدى بعض المنابر على المستوى الدولي من خلال ما تنقله من الصحراء…
وتلك مداخلة أخرى تجرد لنا حصيلة ما قدمه الإعلام الرسمي السمعي البصري من انتاجات في المجال الثقافي، من برامج وافلام وثائقية ومسابقات ودراما، ولم تذهب المداخلة الأخيرة بعيدا عن سابقتها، مذكرة الحاضرين بتاريخ تأسيس إذاعة العيون التي كانت أول إدارة تسلمها المغرب من الاستعمار الاسباني، مع جرد لعدد من البرامج والأعمال المثمنة للموروث الثقافي الحساني.

فحوى المداخلات يجعلنا أمام ندوة معرفية فكرية، وأمام جرد للبرامج الثقافية، لكنها لم تلامس حقيقة مفهوم العلمية بشكل صريح، وكانت بعيدة عنه أيما بعد.

لست هنا أنقط لأي كان، ولست ضد فحوى المداخلات، فهي تعبيرات نحترمها، لكنني حاكمتها بعيدا عن الاشحاص بقانون العلم. وأما الإعلام الرسمي المحلي، وبالرغم من الانتقادات الموجهة له، إلا أنه مثال يحتذى به استطاع الإحاطة وجمع مختلف روافد هذه الثقافة الرائعة…

لازال في الجعبة المزيد، حول البدائل الممكنة لتناول الموضوع بشكل يطمح ويناغي العلمية، من خلال اشكالات محدد، فالحديث مثلا عن الأدوار هو حديث بالضرورة عن جوانب نظرية تنتقل بنا من الوظيفية إلى حارس البوابة ونظرية الحقنة تحت الجلد. وإن كنا بصدد الحديث عن التسويق الثقافي يمكن الإستعانة بآليات الستويق الرقمي، وإن كنا بصدد التركيز على الثقافي فهناك من المهتمين العديد الذين يؤطرهم علم الثقافة وهو الأنثروبولوجيا ولم لا الإستعانة بمقاربات الثقافات الفرعية كما نُظِّر لها في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك أين انطلقت وغزت العالم…

وعلى سبيل الختم، فالحديث عن تناول إعلامي حديث بالثقافة الحسانية، يتطلب ليس فقط صندوق للدعم السينمائي، ولا صندوق للدعم الصحفي الإعلامي، ولا منصة خاصة، إنه يتطلب كل هذا معا، لكن ضمن وسط/محيط يسود فيه تكافؤ الفرص والتنافس النزيه، بهوامش أوسع لحرية الرأي والتعبير يمكن أن تتيح من ضمن ما تتيح طرق أبواب الطابوهات التي تتخلل هذه الثقافة ولازالت على قلتها في سياق أصبح فيه العالم قرية تمشي بسرعة التكنولوجيا في زمن اللايقين.