✏️ بقلم معاد قنودي

يعتبر تعليم الأجيال مسارا أساسيا في طريق التنمية الحقيقية واستشراف مستقبل أفضل، كما تعد الدولُ المتقدمةُ متقدمةً عبر سلوكها هذا المسار وتركيزها على الاستثمار في الرأسمال البشري بغية الوصول لمجتمع قويم متحضر وقوي.

وباعتبار مغرب اليوم في طريق النمو ويسعى للالتحاق بركب الدول المتقدمة فإن الفشل البارز لإصلاح منظومة تعليمه هو فشل في تنميته ونموه أيضا.

من أجل فهم طبيعة الخلل الحاصل علينا في البداية الرجوع لتاريخ التعليم في البلاد وإبراز تطوراته وأهم محطاته؛ فالتعليم قبل الاستقلال كان محصورا في المساجد باعتبارها المحضن الأول للتربية والتعليم، حيث عرفت المساجد الكبرى كجامع القرويين بفاس وجامع اليوسفية بمراكش إقبالا كبيرا من لدن طلاب العلم؛ غير أن هذا النظام التعليمي التقليدي داخل المساجد أو الزوايا والكتاتيب القرآنية لم يساير العصر مقارنة مع الدول الأوروبية التي طورت مناهجها العلمية وأنظمتها التربوية وجعلت إشعاع ثقافتها على الصعيد الخارجي منتشرا ما سهل عليها الاستعمار والتوسع، وهو الشيء الذي حصل مع المغرب وجعله لقمة سائغة للمستعمر الفرنسي بالخصوص، حيث كانت البداية عبر إنشاء المدارس الفرنسية واعتماد نظام تعليمي يخدم مصلحة أبناء المستعمرين فقط.

مباشرة بعد استقلال المغرب قرر الملك الراحل محمد الخامس إحداث لجنةٍ ملكيةٍ لإصلاح التعليم عام 1958، حاولت اللجنة تعميم التعليم وتعريبه بالإضافة إلى الاهتمام بالكفاءات الوطنية ومغربتها نظرا لنقص الأطر آنذاك، ثم بعدها توالت مجموعة من الإصلاحات أهمها ما حدث في عهد حكومة عبد الله إبراهيم من ظهور الفجوة العميقة بين من يؤيد تعريب المناهج ومن يرفض ذلك.

بعد مرور الوقت عرفت المنظومة التعليمية المغربية متتالية من الإصلاحات والمخططات التي فشلت وتركت صداها لدى المجتمع، حيث أن أكبر الاحداث الاجتماعية في المغرب كانت نتيجة فشل مخطط من مخططات التربية والتكوين؛ فقد عرفت أحداث 23مارس1965 مظاهرات حاشدة خرج فيها التلاميذ والأساتذة والطلبة للاحتجاج على قرار وزير التعليم حينها بلعباس التعارجي حول حرمان الراسبين سنتين في الشهادة من العودة لحجرات الدراسة، نتيجة لهذا توفي نحو مئة شخص في مدينة الدار البيضاء على إثر تصدي الجيش للمظاهرات، في ذات الفترة برز اسم حزب الاستقلال في المعارضة وكان أول حزب يرفض قانون إصلاح التعليم الذي تم الإعلان عنه من طرف الحكومة الملكية، كما حارب الحزب علانية فرنسة الإدارات والمدارس، وطالب بفرض ضريبة على المدارس الخاصة وعدم دعمها من صناديق الدولة. بعد هذه الأحداث التي كانت المدرسة العمومية موضوعا لها عاش المغرب لمدة خمس سنوات بدون برلمان أو وزراء، ما عدى بعض الموظفين الذين أشرف عليهم الراحل الحسن الثاني شخصيا عبر زياراته التفقدية المفاجئة.

بعد كل هذا سيأتي المخطط الخماسي 1973-1977، والمخطط الثلاثي 1978-1989، وجملة من المخططات ما بين سنة 1981 و 1995، وحال التعليم في المغرب من سيء لأسوء لإنه ارتبط في هذه المرحلة بمتطلبات سوق الشغل.

وفي سنة 1999 دخل المغرب غمار إصلاح جديد سمي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ساهمت في صياغته لجنة ملكية تضم النقابات والأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني.. غير أن هذا الميثاق ولمدة عشر سنوات طوال لم يعط نتائج ولم يساهم في ارتقاء التعليم بسبب شح الميزانية وضعف الموارد المالية، وهو ما جعل المغرب في مراتب متأخرة وفقا لدراسات دولية، وكمحاولة لتدارك التخلف الحاصل تم الإعلان مجددا سنة 2007 عن المخطط الاستعجالي لإصلاح التربية والتكوين وتم تفعيل مضامينه الأساسية ما بين 2009 و 2012 والتي تتمثل في إلزامية التعليم حتى بلوغ سن الخامسة عشرة ومحاولة تحفيز المبادرات في الثانوي التأهيلي والجامعات وكذا مراكز التكوين المهني، بالإضافة إلى مواجهة المشاكل الأفقية للمنظومة التربوية والتي تتمركز دوما حول الدعم المالي للأطر التربوية؛ عموما فالمخططات والبرامج على كثرتها والتي خصصت لها ميزانيات ضخمة وهائلة لم تحقق أي تقدم في قضية التعليم ولم ترجع الروح للمدرسة العمومية التي فقدت هيبتها مع انتشار التعليم الخصوصي، ولو كانت البداية بمطالب التعميم والمجانية والتعريب التي لم يتم تحقيقها فإننا الآن أمام مطالب جديدة تواكب عصر التكنولوجيا والتقدم.

تاريخ التعليم في المغرب هو تاريخ إصلاح وفقط، والدليل أننا نعيش اليوم توقفا في الدراسة لأن غالبية النقابات والتنسيقيات عبرت عن رفضها للمخطط الجديد المسمى قانون النظام الأساسي الذي يعتبر مجحفا في حق الأطر التربوية نظرا لما جاء به من إقصاء وطبقية مسلطة على الجسد التربوي المغربي، فالشغيلة التعليمية غاضبة لعدم وفاء الحكومة بزيادة مبلغ 2500 درهم، وعدم تسوية الأوضاع العالقة للمبرزين وأساتذة الدرجة العليا والمتصرفين والدكاترة والمربيين والمربيات الذين تستغلهم جمعيات وتنتفع من ورائهم بالإضافة إلى ملف الأساتذة المفروض عليهم التعاقد الذي لم تكلف الحكومة نفسها عناء إيجاد حل له.
في الأخير لابد من التركيز على أن مجال التربية والتكوين يحتل المرتبة الثانية من حيث الأولويات الوطنية بعد قضية الوحدة الترابية، لذا لابد من تغيير جذري ينسي فشل المخططات التي استغرقت عقودا عدة.