نفتتح هذه الأسطر/(المحاولة/المغامرة) بالتذكير بأن أحد أهم أدوار الصحافة البحث عن الحقيقة وإثارتها، ولما تطورت صنوف الحرب واشتدت اوزارها زج بالإعلام ليلعب دور الدعاية كمهام في حالات الحرب، لتصبح بعد ذلك الدعاية أسلوبا من الأساليب التي تستخدمها الصحافة، بل انتقلنا إلى تخصصات بل علوم قائمة الذات تختص بالإشهار والدعاية وما يتفرع منها أو يوازيها من تخصصات ومساقات كالقوة الناعمة والدعاية الرقمية …

وبينما كان التقرير/الريبورتاج او مختلف الأجناس المكتوبة والمسموعة والمرئية تروم تغطية الأحداث، أي إثارة ما أمكن إثارته من تفاصيله وحيثياته، نجدها اليوم تقوم بالتغطية على الأحداث والأنشطة وتقديمها دائما في قالب وردي يسر الناظرين، رغم كل ما يمكن ان يتضمنه الحدث من حوانب “سلبية” او قصور يمكن إثارتها.

من هنا انتقلٓ فعل “تغطية الحدث” من بعده الصحفي الباحث عن الحقيقة مرآةً للواقع، إلى المفهوم الدعائي المرتبط ب”روباغاندا” او “بروباغاندات” معينة. لنجد أنفسنا أمام مفهوم جديد، فرضه واقع معين، هو مصطلح “التعرية” كنقيض للتغطية كما سبق إثارتها، وكمرادف أو باحث عن جوانب أخرى من الحقيقة، قد يصفها البعض ب”زوايا المعالجة”.

ولعل الدافع لكل هذا هو الاستفزاز، ذلك الشعور الذي ينتابنا ونحن نقرأ او نشاهد ليس فقط تغطيات ملمعة لأنشطة رديئة، بل لأنشطة غير قانونية ولا أخلاقية عناوينها الريع والفساد والبحث عن الاستفادة وحالات التنافي.

ليست وحدها الجوانب القانونية والأخلاقية مستفزة، فهناك جوانب علمية/أكاديمية وأخرى تنظيمية تكون أحيانا أكثر استفزازا. هكذا كانت ندوة في مهرجان القصيدة البدوية الحسانية على سبيل المثال، و كذلك كان حال الملتقى الإفريقي الأول للإعلام الرياضي: برنامج ضخم والواقع خجول، ميزه غياب كلي للجنة الشرفية ولبعض المنظمين أنفسهم، فيما من سهر ميدانيا على “الملتقى” من طلبة المدرسة العليا للتكنولوجيا لم يجدو حتى وسائل نقل تعود بهم لمنازلهم.

لعل ما دفعني لخط هذه الأسطر، هو يوم أول من تكوين في برنامج للمقاولة، تكوين سطرته سياسات الدولة عبر المراكز الجهوية للاستثمار، وبإشراف من مركز الاستشارات الذي فاز بالصفقة التي تناهز 60 مليون سنتيم لمواكبة 240 من حاملي المشاريع بجهة العيون. وما أثارني في الأمر في هذا اليوم الأول، استقدام مكون “مهندس زراعي” من هضاب سايس، يدك معك وحدتين في يوم واحد، بمستوى جد متواضع، مقابل سومة مهمة، وكأن هذا البرنامج معد فقط لإغناء أرصدة مكاتب الاستشارات والتكوين المحظوظة، والغرض ليس التكوين، او التكوين من أجل التكوين، لكن الغرض-النتيجة “ربح الوقت” او إلهاء لأجيال الباحثين عن فرص ليس التمويل فحسب بل فرص العيش الكريم.

هكذا إذن، غاصت بنا “التعرية-التغطية” بين ما يراد تسويقه، وبين ثنايا واقع خفي تزعج إثارة وتعرية كواليسه استمتاع المستفيدين…