هل توارى تأثير فؤاد علي الهمة على شؤون الصحراء الداخلية!

7 يناير، 2025 هيئة التحرير


محمد يوسفي/العيون

موضوع الصحراء، هو تلك القضية التي شكلت ولاتزال أولوية لدى الدولة المغربية، بمختلف أجهزتها، وفي أبعاد عديدة، يمتزج فيها الإقليمي بالدولي، والديبلوماسي بالعسكري، والداخلي بالسلم الاجتماعي، في ظل توازنات عديدة، منها ما هو ظاهر وما هو خفي، علاقة بذات الأبعاد السالفة الذكر.

وفي ظل النتائج الإيجابية أحيانا عديدة على الجبهة الديبلوماسية على المستوى الدولي، مع نكبات بين الفينة والأخرى آخرها قرار محكمة العدل الأوروبية حول إتفاقية الصيد البحري، لكن هذه النكبات المعزولة لا تعكس الاتجاه العام للمسار الديبلوماسي والانتصارات المتتالية على المستوى الدولي، في ظل توالي اعترافات وتقارب دول كبرى مع الطرح والرؤية المغربية. في ظل كل هذا، تطرح أسئلة كبرى حول الجبهة الداخلية وتوازناتها القبلية والحزبية والسياسية، بين الركود الاقتصادي وأرقام البطالة، وبين تحكم واستفادة عائلات قليلة من امتيازات وريع الصحراء.

الوضع الداخلي..أوليغارشية بدايات الألفية بنظارات الهمة

في خطاب له قبل خمسة عشر سنة، بقبعة القيادي في الأصالة والمعاصرة، الحزب “الإداري” الجديد آن ذاك، من قلب مدينة العيون، قال فؤاد علي الهمة أنه من ضمن “المسائل الغريبة، أصبح يقال أن عائلةً هي من تضبط الأمن والاستقرار في الصحراء، وإذا ما تم مس هذه العائلة لن يبقى هناك أمن”.

وبالرغم من اختلاف القبعة، بين السياسي أو القيادي الحزبي، وبين رجل دولة أو مستشار ملكي، فإن هذا التصريح يعكس تجربة الرجل ورؤيته للأوضاع الداخلية المرتبطة بالصحراء، بل عرج الهمة آن ذاك في معرض حديثه، أثناء إثارته ملف أحداث 1999 بالعيون، عرج إلى كون أشياء عديدة تقع في الصحراء لا تصل إلى الرباط مضيفا أن التقارير كانت تكتب في المنازل، بمعنى إمكانية التحكم فيها وتوجيهها.

خطاب وإن كان حزبي-سياسي، لا يمكن إلصاقه بقبعة الدولة أو رجالاتها من طينة منصب مستشار ملكي، ولايمكن أن يظل هو نفسه بعد مرور 15 سنة، لكن ماذا تغير بعد ذلك التاريخ؟

استمرار الأوليغارشية في مزيد من التغول بجهة العيون، فهل عجز الهمة على تصحيح الوضع؟

ربط الهمة آن ذاك بين التحكم، وإن لم يعبر عنه صراحة، وبين أحداث 1999، دُبر حسبه من طرف جهات. لكن هذا الخطاب مرت عليه 15 عشر سنة شهدت احداثا مفصلية أبرزها محطة أكديم إزيك، والتي قيل عنها الكثير بخصوص تورط جهات كانت المستفيدة الأكبر من هذا المخيم الاحتجاجي، وراح ضحيته عديدون، رغم جوهر المطالب التي كان يحملها بأبعاد اقتصادية اجتماعية صرفة خاصة في البدايات.

وبعد هذه المحطة الفارقة، كانت محطة أخرى مهمة على المستوى الداخلي، حينما أعطى الملك محمد السادس انطلاقة نموذج تنموي للأقاليم الجنوبية، بقيمة إجمالية فاقت 77 مليار درهم، نموذج ضم العديد من الأوراش خاصة في مجال البنيات التحتية والمؤسسات والأنوية الجامعية وغيرها.

لكن هذا النموذج التنموي، والذي عُقدت عليه آمال كبرى، وبالرغم من الأشياء الإيجابية العديدة التي قدمها، والتي تندرج في نهاية المطاف ضمن الحقوق، كالاستشفاء والتعليم العالي، كما قد تصنف كشكل من أشكال توزيع الثروة والاستثمار في هذا المجال، إلا أن جوانب سلبية شابت هذا النموذج خاصة ارتباطا بالأورليغارشية المحلية المتحكمة التي أضحت لوبي قوي.

وعلى حد تعبير النائب البرلماني السابق عمر بلافريج، فلا يجب أن نوقف ذكاءنا لمجرد كون هذا النموذج التنموي برنامج ملكي، فبالرغم من الإيجابيات العديدة التي جاء به، إلا أنه أظهر محدوديته في مجال التشغيل، وهو ما تؤكده أرقام مندوبية التخطيط كل مرة.

أبعاد إجتماعية سلبية اخرى، تشوب تنزيل هذا النموذج التنموي، وترتبط بالأساس بالسكن. فالمشاريع السكنية التي أطلقت كان بامكانها استعياب مختلف ابناء الصحراء الذين لا يتوفرون على السكن، لكن السمسرة وجشع لوبيات العقار حالت دون استفادة عديدين.

كيف أصبح النموذج التنموي مصدرا لثروة العائلة المتحكمة؟

أبرز الرابحين من هذا النموذج التنموي، هي الأوليغارشية المتحكمة في مختلف مفاصيل الحياة العامة. لدرجة أصبح موافقة والي جهة العيون عامل الإقليم على برنامج من البرامج او مشروع من المشاريع مرتبطة بموافقة الحاج حمدي ولد الرشيد. وهو ما يعيد فرضية استمرار التحكم في التقارير المرفوعة عبر مختلف الأجهزة، واختراق مؤسسة ولاية الجهة بمبرر السلم الاجتماعي.

لا شك أن اللوبي المتحكم فطن إلى أن هذا النموذج عنوانه العريض البناء والتهيئة. فأطلق شركات الاسمنت والأرصفة والشركات المرتبطة بالاشغال الكبرى، ليتم فرض منتوج هذه الشركات فرضا على المقاولين ليصبح شرطا أساسيا من شروط نيل الصفقات والمشاريع.

هذا ناهيك عن ملفات ومشاريع الاستثمار العديدة، والمقدمة لوالي الجهة بصفته رئيسا لهذه اللجنة، والتي لا يتم التأشير عليها إلا بعد رضى القوى المتحكمة والتي تتخذ أبعاد حزبية-قبلية، ولا تمر هذه المشاريع او تتعرض لعراقيل عديدة إذا كان أصحابها على غير اتفاق مع حمدي ولد الرشيد، حتى لو كان أصحابها من أبناء المنطقة كما هو الحال مع مشروع للنائب البرلماني ورئيس جماعة طرفاية عبد الحي حرطون، والذي وصل صداه قبة البرلمان، فما بالك باستثمارات من غير أبناء المنطقة.

في ظل هذا التغول..ماذا بعد؟

وبين خطاب فؤاد الهمة الحزبي قبل 15 سنة، والذي كان بمؤشرات ورسائل تحمل التغيير في طياتها، وبين الحاضر، يلاحظ مزيد من تحكم وتغول هذه الأوليغارشية، فيكفي أن تعد عدد الفنادق التابعة لها، وعدد مؤسسات الدولة التي تكتري مقراتها من عندها، وتفشي محطات البنزين التابعة لها حتى أضحت كالفطر في كل مكان، كل هذا يكفي للتيقن من تغول بشكل كبير لهذه الأوليغارشية، بل أضحت يدها أطول مما كانت عليه، لتقتنص لنفسها ولتيارها مناصب في مستويات عليا من الدولة، وأخرى مركزية وجهوية داخل الوزارات خاصة الإستقلالية منها.

وفي ظل هذه المعطيات، فإن كل تنبؤ بتقويض نفوذ هذه الاوليغارشية هو بعيد عن منطق الأشياء والواقع، اللهم إذا كانت هذه هي نقطة الأوج والقمة التي بلغتها هذه الاوليغارشية، وستسقط مدوية بعد أول منحدر.

وقبيل انتخابات مرتقبة، لايزال الوضع على ماهو عليه، ما يوحي برغبة جهات من داخل الدولة باستمرار هذا الوضع، لتتفوق على جهات أخرى من داخل الدولة تطمح للتغيير. تغيير كان مرتقبا بعد تداول أنباء تغيير والي الجهة، وهو مالم يتحقق وفق توازنات خفية للدولة، رجح متابعون أنها ارتبطت بقرار محكمة العدل الأوروبية، وهو العامِل وأحد المحددات التي فرملت محاولة التغيير لصالح سلم اجتماعي تعرف هذه الاوليغارشية استثماره لصالحها بمكر ودهاء.

التصنيفات الرئيسية

تابع جديدنا

اشترك في نشرتنا اليومية للحصول على أحدث الأخبار

لا يتم نشر بريدك الإلكتروني. يمكنك إلغاء الإشتراك في أي وقت

أحدث الأخبار