في محاولة منها لإعادة إحياء أطروحة الانفصال التي أقبرتها الرباط، من بوابة المنصات والمنتديات الدولية، قامت جنوب إفريقيا بدعوة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، لحضور أشغال القمة الخامسة عشرة لمنظمة “بريكس” التي تحتضنها مدينة جوهانسبورغ، حيث حط بطائرة جزائرية في مطار “أوليفير تامبو” الدولي، مساء أمس الثلاثاء، قادما من “دولة المخيمات” بدعوة رسمية من جنوب إفريقيا.

خطوة سبق للرباط أن تنبأت بها إثر رفضها الدعوة التي وجهتها إليها جنوب إفريقيا بصفتها الوطنية للمشاركة في قمة “بريكس”، بسبب ما وصفه مصدر من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بـ”العدوانية المطلقة لهذا البلد تجاه المملكة والمواقف السلبية والدوغمائية بخصوص قضية الصحراء المغربية”.

كما سبق للدول الأعضاء المؤسسين لـ”بريكس” أن تبرؤوا من محاولة جنوب إفريقيا الملتحقة حديثا بالتكتل إقحام هذا الأخير في صراعات تُخالف أهدافه، إذ أكدت الحكومة الهندية في بلاغ لها أن “جنوب إفريقيا وجهت الدعوات للمشاركة في أشغال القمة بمبادرة أحادية وبصفتها الوطنية”، فيما أكد الرئيس الصيني، شي جيبينغ، في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي، أن “الرباط شريك مهم للصين في العالم العربي وإفريقيا”.

ويطرح حضور تنظيم إرهابي يفتقر إلى مقومات الدولة ويقتات على المساعدات الإنسانية أشغال قمة “بريكس” مجموعة من التساؤلات، حول الإضافة التي ستقدمها دعوة هذا الكيان الوهمي لحضور أشغال قمة تكتل يضم دولا ذات اقتصاديات وإمكانيات تصديرية هامة، بحجم الصين والهند والبرازيل وروسيا؛ فيما يرى محللون أن هذه الدعوة “سياسيوية محظة” تسعى من خلالها جنوب إفريقيا إلى استغلال موقع البلد المضيف لتمرير رسائل سياسية وإحراج الدول الحاضرة، في محاولة لإكساب جبهة البوليساريو الشرعية والاعتراف الدوليين اللذين تفتقدهما.

وفي تفاعله مع الموضوع قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في تحليل الأزمات وإدارة الصراع، إن “دعوة جنوب إفريقيا الكيان الوهمي لحضور هذه القمة دليل آخر على تشبث هذا البلد بسلوكياته العدوانية تجاه المملكة، وسيره عكس التيار في ما يخص قضية الوحدة الترابية المغربية”، مضيفا أن “هذه السلوكيات تُدخل العلاقات المغربية الجنوب-إفريقية الواعدة والحبلى بالتحديات الاستثمارية الكبرى في نفق مسدود وتضيع على القارة الإفريقية فرصا هائلا للتنمية”.

وأضاف المتحدث عينه أن “قرار دعوة زعيم الميليشيا الانفصالية هو قرار أحادي لوزارة الخارجية الجنوب إفريقية، ولا يلزم باقي الأعضاء، وبالتالي فهو محاولة مفضوحة واستفزازية، بل وخدمة مدفوعة الثمن للنظام الجزائري بالمناولة”، مشيرا إلى أن “قضية الصحراء المغربية أضحت بالنسبة لبريتوريا ورقة سياسية داخلية بامتدادات خارجية مرتبطة بالصراع حول السلطة في جنوب إفريقيا وصفقات الغاز والنفط”.

“المغرب تجمعه علاقات إستراتيجية راسخة مع الدول الأعضاء الأخرى في بريكس، كما أن الرباط واضحة في ما يخص تدبير علاقاتها مع هذه الدول”، يسجل البراق، الذي أوضح أن “الدعوة الأحادية لغالي تأتي في سياق التحديات الداخلية التي تواجه البوليساريو من داخل المخيمات، وفي سياق الانتصارات الدبلوماسية المغربية التي حققها المغرب، وبالتالي فإن هدفها الرئيسي هو إظهار أن ميليشيا البوليساريو غير معزولة دوليا، وقادرة على التحرك على الساحة الدبلوماسية”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “المملكة المغربية اليوم، وفي ظل تعنت باقي الأطراف ورفضها الحل السياسي واقتناع المنتظم الدولي بجدية مقترح الرباط في هذا الإطار، فقد أصبحت على مرمى حجر من الحسم السياسي من جانب واحد لهذا النزاع المفتعل وطرد البوليساريو من كل المحافل الدولية، وتطويقها قاريا، إضافة إلى تصنيفها كجماعة إرهابية تهدد السلم والأمن الدوليين”، مشددا في الوقت ذاته على أن “هذا لن يتحقق في المنظور القريب إلا بمساندة الشركاء التقليديين والجدد للمغرب، بدعمهم الواضح والصريح غير القابل للتأويل لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.

من جهته، أورد خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن “هذه الخطوة التي أقدمت عليها جنوب إفريقيا تدخل في إطار محاولة استعادة هذا البلد الريادة السياسية في القارة السمراء، التي تعتمد على الدعاية المكثفة، في محاولة لصرف النظر عن الحقيقة الداخلية التي يعرفها الحزب الحاكم في هذا البلد من جهة، ويعرفها البلد ككل داخل منظومته الإفريقية من جهة أخرى”.

وأضاف الشيات أن “هذا البلد يريد أن يفرض وصايته على الدول الإفريقية، وأن يبقى هو الموجه والآمر الناهي في القارة، وأن تتبع له هذه الدول وتتماهى مع سياسته ومواقفه تجاه مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية”، موضحا أن “هذه السياسة الجنوب-إفريقية مرتبطة كذلك بنزعة العلاقات المتطرفة مع الجزائر، وتبني أطروحة هذه الأخيرة في إفريقيا، حيث تقوم العلاقات بين هذا الثنائي على مفهوم توافق المصالح السياسية القائمة على النزعة العسكرية ونزعة الدفاع المستميت عن جبهة البوليساريو”.

وسجل المتحدث لهسبريس أن “دعوة غالي إلى قمة بريكس هي محاولة من جنوب إفريقيا لإبراز موقفها للمغرب، بعد رفضه حضور هذه القمة؛ ثم إن هذه الدعوة الأحادية كانت متوقعة، وهو ما تفطن إليه المغرب مبكرا”، مشيرا إلى أن “جنوب إفريقيا كانت في حاجة إلى حضور الرباط لإذلالها وإعطاء الانطباع بتفوق الكيان الوهمي في إفريقيا، غير أن محاولاتها هاته باءت بالفشل”.

وحول مواقف الدول الأعضاء في المنظمة حول قضية الصحراء المغربية، قال الشيات إن “مواقف كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل واضحة في هذا الإطار، وتؤمن بالحل الأممي لهذا النزاع المفتعل، ولا تعترف بالجمهورية الوهمية؛ كما أنها تربطها علاقات وشراكات اقتصادية مهمة مع الرباط”، مضيفا أن “دول بريكس ليست في حاجة إلى الكيان الوهمي، لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية، أضف إلى ذلك أن كل محاولات محور الجزائر-جنوب إفريقيا لإقحام هذا الكيان في أي منتدى اقتصادي أو إدخاله في علاقات اقتصادية مع دول أخرى تبوء دائما بالفشل، إذ لا تتوافق النزعة السياسية لهذا المحور مع المصالح الاقتصادية لهذه الدول”.

وخلص الأستاذ الجامعي ذاته، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “دول بريكس في حاجة إلى المملكة المغربية الحاضرة بقوة في القارة الإفريقية والمستثمر الأول في غربها”، متسائلا في المقابل: “ما الذي يمكن أن تقدمه جبهة البوليساريو الانفصالية على المستوى الاقتصادي لهذا التكتل؟”.