
القضاء في الصحراء وهيبة الدولة!
محمد يوسفي
تراقصت هذه التيمة منذ مدة في مخيلتي، خاصة انني عاينت بعض أوجه “استرداد القضاء لهيبة الدولة، من خلال عدد من المؤشرات سآتي على ذكرها، لكن زوايا أخرى تدفعنا للتساؤل عن قساوة بعض الأحكام خاصة تلك المرتبطة بالهجرة غير النظامية او ما بات يعرف بـ”الإتجار الدولي للبشر” مقارنة مع نفس التهم في مناطق أخرى من المغرب. هذا ناهيك عن الجو العام الذي يوجد فيه القضاء والمرتبط بعدد من مؤسسات وأجهزة الدولة…
لكن في الصحراء، الوضع يختلف نسبيا، فلوبيات الفساد هنا كانت تستطيع فعل كل شيء، بما في ذلك إخراج مجرمين من السجن، تبرئتهم، وإدخال آخرين إما معارضين او غير منصاعين.. الوضع هنا يختلف تماما من نواحي ومناحي عديدة، لأسباب ابرزها قضية الصحراء التي استغلها أمراء الحرب ولوبيات الفساد لصالحهم، وأحيانا كثيرة تجرؤوا على لعب مصارعة الأيدي مع الدولة “ندا للند”.
منذ 2022، بداية مسلسل المتابعات والشكايات في حقي، ترددت مرات كثيرة على المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالعيون، ناهيك عن ترددي على ولاية الأمن. وفي أروقة هذه المؤسسات، شاهدت وعاينت أكثر من مرة حضور الذراع القبلي للوبي الفساد، وعندما كنت أبحث عن الأمر او اسفتسر عنه، اخلص إلى أن ممثل الذراع القبلي هذا كان يحضر لطلب العفو او تسهيلات على أحد الأتباع او افراد القبيلة الحزبية السياسية.. هذا المشهد تكرر أمامي أكثر من أربع مرات في مختلف المؤسسات السالفة الذكر..
حينها كانت البدايات وكان المخاض، مخاض قطع الطريق على مثل هؤلاء، لكي لا تستفحل ظاهرة محاولة التحكم في مفاصل الدولة عبر هذه الممارسات، بقبعات وصفات منفوخ فيها، من طرف لوبي الفساد ومن يدور في فلكه باستعمال الذراع والواجهة القبلية.
خلصت إلى هذا الاستنتاج منذ مدة، بعدما كانت فرضية قوية، زكتها عدد من الوقائع، من ضمنها محاكمات واحكام تفوق عشر سنوات لمحسوبين على لوبي الفساد ومن يدور في فلكه، كما زكتها دردشات مع عدد من المصادر الموثوقة ومع عدد من متتبعي الشأن العام المحلي منه خاصة. كما زكاها تراجع نفوذ لوبي الفساد من داخل مؤسسة القضاء، وهو الذي كان له موطئ قدم قد يقرى للتحكم في سابق السنوات، خاصة العشرية الثانية من القرن الحالي.
وفي ظل هذه الحجج، وفي سياق يتم فيه قص أجنحة لوبي الفساد، جاءت شهادة حية لمصدر منتخب وموثوق، نقل لي فيها معاينته “احتجاج” الذراع القبلي للوبي الفساد على الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف بالعيون، حيث عبر له عن امتعاضه من الأحكام “القاسية ضد اولادنا”، لكن رد الرئيس قطع الشك باليقين، حين رد قائلا أنه “يطبق القانون”. لتزكي بشكل قاطع هذه الواقعة وهذه الشهادة التي أكدها أخرون ممن كانو بقرب هذه المحادثة، تخلص القضاء من ضغوطات ومحاولات لوبي الفساد التحكم فيه، بل وإعادة هذا القضاء لهيبة الدولة في هذه الأقاليم.
قد نكون بعيدين عن التصور الأمثل للقضاء كنا نريده، عادل ومنصف يساوي بين الجميع ويحكم بالعدل مستحضرا مبدأ المساواة بين الجميع الغني والفقير المسؤول والمواطن البسيط، لكن خطوة القطع مع ممارسات “بدوية” تحاول التحكم في مؤسسة القضاء يظل أمرا محمودا.
وإذا كان القضاء قد خطا هذه الخطوة، التي أعتبرها خطوة واعية تجاه هذا الواقع المعقد والمركب، فمتى تتخلص باقي المؤسسات خاصة النوعية منها من ضغوطات لوبيات الفساد، وعلى وجه التحديد مؤسسة الأمن خاصة جهاز ضمن الأجهزة، ومؤسسة الداخلية الممثلة في ولاية جهة العيون الساقية الحمراء وما يندرج ضمنها من عمالات وباشويات، وهي المؤسسات التي تمثل السلطة التنفيذية في بنية السلطات، إلة التشريعية التي تسلل منها لوبي الفساد بدعم من المخزن، والقضائية، وأما السلطة الرابعة(ههه) فتحفها الأظرفة ويمنعها اللعاب المسال أمام الامتيازات المحتملة والبقع الأرضية من أن تنبس ببنت شفة.