إشكاليات الهوية المغربية بين المحددات الوطنية الصريحة وارتباطات الأنا القبلية أو الاثنية بالمشروع المغربي الهوياتي:
من خلال دراسة أولية لرواية “علبة العجائب” للكاتب المغربي احمد الصفريوي، والتي كتبت باللغة الفرنسية تحت عنوان “La Boîte à merveilles”, في سنة 1949،الفترة التي كان المغرب فيها تحت نير الاستعمار الفرنسي.
من خلال هذه الراوية، يحاول الكاتب ان يسجل نفسه في خانة السيرة الذاتية على مستوى الجنس الأدبي المعتمد في ظاهرة الكتابة الروائية بشكل عام،حيث عمل احمد الصفريوي على استعمال الضمير الشخصي “أنا” والذي استعمله في صيغته الفرنسية،وذلك من أجل إظهار الشخصية الحقيقية التي يبحث عنها الكاتب والتي تصبو في نهاية المطاف إلى التمرد الفعلي على التعسف الجمعي في كل مناحي الحياة.
الأمر الاساسي الذي يثير اهتمام العديد من القراء لهذه الرواية هو ذلك الصراع الهوياتي الخطير الذي يعتري صفحات الرواية من خلال كلام الشخصيات الرئيسية والثانوية : نستحضر مثلا شخصية “أم سيدي محمد” وهو الشخصية الرئيسية التي تدور أحداث الرواية حولها،فأم بطل الرواية تدعى لالة زبيدة والتي تنحذر من عائلة شريفية معروفة بأصولها المتجذرة في إطارات النسب الواضحة من خلال سلسلة من الأجداد والكتابات التي ساهمت في بقاء هذا النوع من العائلات العريقة. رغم كل هذا، فهذه السيدة كانت دائما تعاني من حيف رمزي نتيجة عدم الاعتراف الذي تبديه العديد من الشخصيات النسوية اتجاه أصولها، فهي كانت دائما تستحضر هذا البعد القبلي في علاقتها مع جاراتها في ثنايا مشاحنات كلامية أو عراكات لفظية بسبب أشغال في المنزل الذي يجمع بينهن.


بعيدا عن هذا السياق الهوياتي البسيط والذي لم يتمكن من تبيان مكامن قوته وضعفه، نجد الكاتب يترافع بشكل معرفي عن هذه المعطيات العرقية والتي ساهمت في بناء شخصيته وكذلك علاقاته الاجتماعية التي سوف تكون محددا في تحديد ملامح تحليله لواقعه الخاص وتفسيره للعالم المحيط به، والذي يلعب دورا كبيرا في تشكلها الطبيعي أو تذمرها في قوالب نفسية مرتبطة بالشخصية المستقبلية للبطل في مراحل عمرية متقدمة .
لقد استعمل الكاتب المغربي احمد الصفريوي العديد من الصيغ اللغوية لكي يكتب تاريخه الخاص ويعلل تبنيه لهذا الطرح الهوياتي القبلي الذي كان وراء كتاباته الأدبية بشكل عام، وتصوره للمجتمع الفاسي بشكل خاص، في زمن كان المغربي المثقف في حاجة ماسة الي تأكيد إرتباطه بالوطن وكذا قدرته على الاندماج السلس في المنطق الحداثي الذي زرعته حكومة فرنسا في نفوس الطلبة المغاربة من خلال تجربة المدرسة الفرنسية.
كان لزاما على أحمد الصفريوي ان ينتشل كل الذكريات من أجل التدقيق في طبيعة الهوية المغربية والتي كانت تظهر بشكل أخر المرور المرن نحو الدولة الوطنية او الارتباط المتعثر بهذا الكيان البرجوازي، الذي بدأ يتشكل في ظروف صعبة بسبب عوامل خارجية مثل الاستعمار وكذا مفاهيم الاستلاب في كافة جوانب الحياة خاصة في المدن المغربية الكبيرة والتي عرفت تواجد خاص للبعثات الفرنسية..
إن إشكال الارتباط القبلي في المغرب ليس رغبة طبيعية او ارادة اقتصادية من طرف شخصيات الرواية او حتى من طرف العديد من الأشخاص الآخرين، بل هو نتيجة واقعية لغياب الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه الدولة الوطنية في معالجة روافد الهوية المغربية، والتي مازالت تعاني الأمرين من خلال سلسلة من التعثرات الثقافية في مجالات الحياة في المغرب : إن تطلع احمد الصفريوي لغد افضل، جعله يؤرخ لصراع خفي لا زال ينخر كتاباتنا الأدبية ولا زال يعرقل المرور السهل نحو تنمية سديدة في ظل المستجدات التي يعرفها العالم بأسره.