غالبا الحديث الان عن تجارب مرت بها البلاد في المجال الديني. ففي السبعينات أثرت الدولة السماح بتواجد حركات سياسية ذات طابع جهادي وسلفي واخواني .ولمواجهة اليسار الأحمر والاصفر توجهت وزارة الاوقاف نحو السماح مع وجود الدعوة السلفية .غيرت الدولة سياستها بعد تأكدها من خطورة البلقنة ” الدينية ” وخوفا على تكرار تجارب لبنان ومصر أوقفت الدولة مسار التعامل الايجابي مع الاتجاهات الدعوية المشرقية.
لكن الحركات الإسلامية ظلت متماسكة وتنتشر بين الطبقات المتوسطة لتنتقل إلى الأعلى. ولكن هذه الطريق ستتوقف فجأة بعد أحداث 16 ماي الإرهابية .
جماعة العدل والإحسان ( مرفوضة /مقبولة ) ستستفيد من مغربة الدعوة وكان مرشدها مشمئزا من الاتجاهات المشرقية ولاسيما التكفيرية والوهابية .ومع ذلك ظلت الجماعة مرفوضة من طرف الدولة، لكنها مقبولة مادامت تحرم في ادبياتها العنف المسلح أو الانقلابات ونشر الفوضى .
اماجماعة الدعوة والتبليغ فعلى الرغم من ضعف دعوتها الان، الا ان الدولة كان عليها استثمار تواجد الجماعة وانتشارها لإضعاف الاتجاهات الوهابية .لكن للدولة منطقها الخاص .فقد تعرضت جماعة التبليغ لتشيطن واضح من لدن التيارات السلفية التي اختارت شن حملات ممنهجة ضد الجماعة وتم تحديد ومحاصرة وجودها على الرغم من كون الجماعة أكثر الحركات الدعوية سلمية بل إن مسارها الدعوي يتناقض مع ماهو سياسي .
ستظل حركة التوحيد والإصلاح أكثر التوجهات ديناميكية لطبيعة أدبياتها البعيدة عن الوضوح .فهي توهم الدولة بنهجها القريب من دين الدولة ومذهبها. ولكن في واقع الأمر هي حركة ذات امتداد إخواني و سلفي ووهابي.إختارت التوحيد والإصلاح الزحف نحو التحزب والجمعيات المدنية وقد تحقق لها التواجد بقوة مع تبني الدولة سياسة التناوب مما فتح المجال أمام حزب العدالة والتنمية للمشاركة إلى جانب طبعا حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة عبد الرحمان اليوسفي وكذلك حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال .كانت استراتيجية التناوب وردة قدمت هدية لحركة الإصلاح والتوحيد التي لم تترك الفرصة تضيع أو تنفلت .وهكذا انتقلت الحركة من الدعوة إلى الحكومة .وقد أعطت دروسا جديدة في السياسة .ومن أهم الدروس المستوحاة من مشاركة تيارها السياسي أن هناك فرق كبير بين ما ينظر له في أسواق التعبئة العامة وتراهات الشعارات المليئة بالحماسة المدغدغة لمشاعر الناس إن لم نقل عوام الناس المهيجين لاستغلالهم في بعث جديد .وبين الواقعية السياسية التي حتمت على قيادة الحزب بلورة خطاب يتماشى مع الرأس-المال .
ستبحث الدولة عن الحركات الدينية التقليدية زوايا وجماعات …ولكن السؤال المطروح والمشروع ،ماذا قدمت هذه الاتجاهات التقليدية للشعب وللدولة..؟
حسب معطيات قدمتها وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية، فإن عدد الزوايا والأضرحة بالمغرب بلغ خلال سنة 2019 ما مجموعه 7090 ضريحا وزاوية.
ويبلغ عدد الزوايا لوحدها بالمغرب حوالي 1588 زاوية، وبالنسبة للمرفق الديني الذي يعتبر زاوية وضريح في الوقت نفسه بلغ 5471، أما الأضرحة في المغرب فلا تتعدى 31 ضريحا، حسب إحصائيات وزارة الأوقاف.
وبخصوص خريطة الزوايا بالمغرب، فهي موزعة على الشكل التالي، حيث تأتي في المقدمة جهة سوس ماسة 361 زاوية، متبوعة بجهة طنجة تطوان الحسيمة بـ191 زاوية، فيما تأتي في ذيل القائمة جهة الداخلة وادي الذهب بـ 12 زاوية فقط.
أما فيما يتعلق بالمرفق الديني الذي يشمل زاوية وضريح، فإن جهة طنجة تطوان الحسيمة تحتل الصدارة بما مجموعه 817 زاوية وضريح، متبوعة بجهة سموس ماسة بـ 789 زاوية وضريح، بينما جهة الداخلة وادي الذهب توجد بها زاوية وضريح واحد فقط.
وفيما يخص الجهات التي توجد بها الأضرحة فقط، فإن جهة الداخلة وادي الذهب تحتل المرتبة الأولى حيث يوجد بها 11 ضريحا، في حين أن بعض الجهات يبدو أنه لا توجد بها أضرحة مثل جهة الدار البيضاء سطات، وجهة العيون الساقية الحمراء، وجهة الشرق، أو أنه لم يتم بعد تحيين المعطيات، حسب الإحصاءات التي نشرتها وزارة الأوقاف لسنة 2019.
عشرات الزوايا والاضرحة تدعم للدفاع عن الطريقة المغربية التي تختلف عن الطرق المشرقية في التدين .ولكن هل فعلا تمكنت الزوايا من محاصرة الحركات الدعوية ذات الأصول المشرقية أو المتأثرة بتجربة حسن البنا .سؤالا يصعب الإجابة عنه في ظل عدم وجود آليات لضبط ومعرفة أنشطة الزوايا .
مكنت الزوايا من كل عناصر التقدم والدفاع والمناظرة ،لكنها بقيت حبيسة منظورها الخاص للتدين .فلا مواقف تصدر عنها في أمور تخص السياسة الخارجية للدولة .ولا تقدم اية بدائل إعلامية أو اقتصادية لمواجهة ومحاصرة التيارات الفكرية المشرقية .
مستقبلا على الدولة التركيز على صناعة وابداع علماء المغرب المالكيين ودعم كل العلماء والفقهاء القادرين على مناظرة أو مواجهة التيارات المشرقية .بل وعليها التوجه نحو مأسسة توجه فلسفي وفكري عقلاني يتحد مع عطاءات المذهب المالكي ومدارسه لتحقيق الوحدة الدينية للمجتمع.
وعلى الدولة تطوير الزوايا وجعلها تحت سلطتها المباشرة وذلك لتحريك وتفعيل دور الزوايا كمدارس لتخريج العلماء والحفظة. كما أن العناية بالزوايا يتطلب الحث على إخراج إبداعات شيوخها وتراثهم ليدرس في الجامعات والمدارس.
واخيرا ..بناء الإنسان المغربي يتطلب إحداث نقلة نوعية في تفكير الدولة والحكومة ورجال الفكر والسياسة والدين .فلا يمكن مواجهة التيارات الفكرية الغربية أو المشرقية بخطابات مرتهلة.


محمد الاغظف بوية كاتب وباحث في الفكر والفلسفة.