معاد كنودي/حياد24

1- في مقال لكم بعنوان: “لا نستطيع متابعة السير إلى الأمام دون أن نصفي هذه المرحلة تصفية تامة”، هل يمكن اعتبارها قطيعة مع الأصل بمعنى جديد ينفي القديم؟ أم هي مرحلة بناء مهمة وسط القواعد اليسارية الكلاسيكية في بلادنا؟

أولا، إن مقالة: لا نستطيع متابعة السير إلى الأمام دون أن نصفي هذه المرحلة تصفية تامة. والمنشورة أخيرا في موقع العمق المغربي بتاريخ 28 دجنبر 2023، هي ورقة للنقد والنقد الذاتي متكونة لحدود اليوم من خمسة أجزاء، وهي لم تنتهي بعد. والمقالة المذكورة أعلاه ما هي إلا الجزء الأول من الجزء الخامس للورقة. هذه الورقة، لها علاقة بدراسة موضوعية لعملنا التنظيمي سابقا، من داخل الحزب الإشتراكي الموحد وحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، ما بين فترتي 2017 إلى حدود 2021. ما لهذه المرحلة من أهمية قصوى لرفاقنا علاقة بحركية المجتمع، بعد عشرين فبراير وحراك الريف، ولليسار المغربي عموما. لاستخلاص الدروس والعبر من تلك المرحلة التي عشناها، والإستفادة منها في إطار عملنا الحالي من داخل حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي وشبيبته، شبيبة اليسار الديمقراطي. كي لا نعيد تكرار نفس الحركية والممارسة، وننتظر نتائج مختلفة. وهذا حقيقة له علاقة بإيماننا بالحركة المعادة عبر التاريخ، وخصوصا في دولنا المتخلفة، والتي يعيد التاريخ نفسه فيها بأشكال مشوهة، ما لم نستفد من تجاربنا، والتجارب الناجحة والفاشلة للعديد من البلدان التي عاشت نفس السياقات والمآلات، ونعيد تقويمه بالشكل الصحيح الذي لا يسقطنا في نفس الحركية وأغلاطها، الشيء الذي نراه يعاد في حلقة دائرية مفرغة منذ عقود من الزمن. ومن هذا المنطلق، فنحن لسنا هنا بصدد قطيعة ابستيمولوجية مع القديم لوعينا بالتراكمات وأهميتها، على أن مسائل الماضي هي مسببة قطعا لأحداث الحاضر وبالتالي فهي مؤثرة قطعا على المستقبل القريب منه والبعيد. وكذلك، فإن ورقة النقد والنقد الذاتي هذه، نراها مهمة جدا لرفاقنا، قادة وقواعدا، للإستفادة من الحركة العملية وللنضال السياسي والتنظيمي، وأن الفشل، لا علاقة له بتغول النقيض (إن كان رفاقنا يعتبرونه نقيضا من الأصل) أو بخطء ما في النظرية، بل له علاقة من الأساس ببعدنا عنها – وعدم القدرة على التخلص من التفكير الميتافيزيقي، والمثالي الذي برمجنا عليه – واستيعابنا لها.

2- هل يمكننا ان نشبه عزوف الشباب المغربي عن التصويت والسياسة بعزوف الشباب اليساري عن قواعده ؟

لم يعزف الشباب المغربي يوما عن السياسة. ولكن الشباب المغربي عازف عن العمل الحزبي منذ سنين طويلة. لما لم يجده من استيعاب لطاقاته الدفينة من داخل الأحزاب الإدارية والمخزنية بالمغرب، والأحزاب اليسارية المغربية “الجادة” بالخصوص. ولكن هذه المسألة لها علاقة بالكثير من الأشياء الموضوعية المعروفة طبعا للجميع، والذاتية أيضا والتي لا يريد رفاقنا الإعتراف بها. وهذا هو فحوى ورقة النقد والنقد الذاتي. الإشكال الحقيقي في تنظيماتنا، وهذا ما نحن بصدد دراسته وقراءته. كما نعتقد أن الإشكال الداخلي يمكن حله، ولكن إذا توفرت الإرادة الحقيقية لهذا. على أننا من قبل، كسرنا هذه القاعدة، وحاولنا ونجحنا نسبيا في تجميع الكثير من المناضلات والمناضلين والذوات الطليعيين لما رأوه من أمل وعمل وحركية، وخصوصا في مدينة مراكش، حيث كنت كاتبا محليا لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية شبيبة الحزب الإشتراكي الموحد سابقا بين فترتي 2019-2021، بل وتجاوزنا ذلك إلى العديد من المدن والمناطق. فتبين لنا في الأخير، أن هناك إرادة مضادة تساعد على التشرذم والتشتت وبقاء الأوضاع على ما هي عليه. وقد بينت هذا في ما من مقالة من ورقة النقد والنقد الذاتي وبالخصوص المقالة الثالثة المنشورة بتاريخ 15 يوليوز 2023، وقتما تم إغلاق المقر على شبيبة كاملة بمراكش – من طرف القائمين على فرع الحزب بمراكش – في نفس الوقت الذي تم منع الوقفة المنددة بغلاء الأسعار وإلزامية جواز التلقيح بباب دكالة.. ويمكنكم الرجوع إلى المقالة لفهم السياق جيدا. كما أننا سنتطرق بالتفصيل للعديد من المحطات في الأجزاء المقبلة، والتي يندى لها الجبين من فرملة للحركة، وعزل الذوات المناضلة وعدم إعطاء البطائق واستبعادها بطرق خسيسة من الهياكل، وما إلى ذلك من ممارسات مشينة.

3- بالحديث عن انشقاق طاقات نضالية نوعية عن أحد اعرق الأحزاب اليسارية المغربية، ألم تكن إمكانية للمصالحة في مقابل البدء من جديد؟ هل بادر عقلاء الحزب الاشتراكي الموحد لتهيء حوار وتقديم نقد ذاتي أمام الشبيبة ؟

في الحقيقة، المسألة هنا تحتاج إلى تحليل موضوعي طويل ودراسة علمية متأنية للأحداث و الوقائع. وهذا ما سنتطرق إليه جيدا في مقالاتنا المقبلة علاقة بورقة النقد والنقد الذاتي. ولكن، بحكم بقائنا في الحزب الإشتراكي الموحد إبان الإنشقاق، كنا أشد المدافعين عن عدم الحركة من أجل الحركة فحسب، ولازلنا. وقد بينت هذا صراحة في مقالة كانت على شكل خلاصة لنقاشات ماراطونية لمجموعة رفيقاتنا ورفاقنا آنذاك، المنشورة بموقع أنفاس بريس بتاريخ 20 يوليو 2021 والمعنونة ب: الوحدة كل شيء والهدف لا شيء. لقد أثبتت الكثير من الأحدات التاريخية بشكل قطعي، أن الوحدة الكمية مآلها الإخفاق ومن تم الإنفجار لا محالة. وأن أي وحدة ستبنى على التركيز على النقط المشتركة والتغاضي على نقط الإختلاف وتسريع ما لا يتحرك، فدائما ما أثبتت هذه العملية فشلها الذريع. وكي نكون موضوعيين بشكل أكثر وصادقين مع الجمهور وأنفسنا، فهذا ما يحصل الآن بالفعل. فالتنظيم الذي يبنى على التوافقات الواهية وإرضاء الخواطر، لا يمكن أن يكون تنظيما منظما بحق. لقد كان الحزب الإشتراكي الموحد آنذاك بحكم اشتغاله بمنطق التيارات، وسيرورة الإندماجات التي خاضها، هو الوحيد الذي كان في نظرنا المؤهل لهذه العملية الموضوعية المعقدة. أما بعد الإنشقاق، وما عشناه وعايناه علاقة بالممارس العملية، فقد تبين لنا العكس تماما. فالممارسات المشينة وبالخصوص في خضم الإنتخابات الجماعية والبرلمانية ل2021، قد أبانت جل القيادات عن انتهازية كارثية لا علاقة لها بالأسس والمنطلقات والمبادئ التي كان الحزب يدافع عنها ويدعوا إليها. والأكيد، أن جل المكونات المشكلة لتيار اليسار الوحدوي آنذاك وحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية، شبيبة الحزب سابقا. قد استوعبت في الوقت الذي لم نستطع ذلك، أن الحزب الإشتراكي الموحد قد شاخ واستنفذ مهامه، ولن يستطيع متابعة السير إلى الأمام بذات الأهداف والمنطلقات التي تأسس عليها منذ البدء. أما عن الشبيبة بعد الإنشقاق، صراحة فلا وجود لها من الأساس، لأن المدبر الرئيسي لها هم الرؤوس الكلاسيكية من داخل الحزب، ما أنتج لنا شبابا مسلوبي الإرادة، يسعون فقط إلى إرضاء القيادة الحزبية، لا فكر لهم، لا حول لهم ولا قوة.

4- في ظل التحالفات الأخيرة لمجموعة من الأحزاب اليسارية ومحاولة خلق كتلة، ألا يمكن اعتبارها مناسبة سانحة للطلائع الشبابية من أجل قيادة اليسار مستقبلا وفق رؤيتهم؟ ماهي أهم الخطوات لفعل ذلك؟

بالفعل، إن الأمل كبير جدا في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي. لكن الأمل، دون عمل، ضرب من الحمق والمثالية لا غير. والمطلوب، أن يستوعب هذا التنظيم كل الطاقات النضالية بمجتمعنا، وجميع الطلائع الشابة الجادة التواقة إلى التغيير والعمل والتنظيم، لأجل قيادة الحراكات الإجتماعية والسير بها نحو العدالة الإجتماعية المنشودة. وبالخصوص، في واقعنا الحالي المأزم. فالمجتمع اليوم في حاجة ماسة إلى تعبير سياسي جاد يعيد الثقة المفقودة للجماهير في العمل الحزبي السياسي منذ عقود، يعالج الهوة الشاسعة بين العمل الحزبي والواقع المجتمعي. وكما نرى اليوم، فإن كل فئات المجتمع المغربي تغلي لكن دون بوصلة. فكل الحراكات الإجتماعية مآلها الحائط لا محالة، وهذا شيء طبيعي لكل دارس للتاريخ. المسألة لا علاقة لها بخلل ما في الحركية أو التقديرات. بل الحقيقة، أن المشكل الحقيقي هو في النظام السياسي برمته وليس في وزارة ما أو في قطاع في حد ذاته. والجواب، لا يمكن إلا أن يكون جوابا سياسيا، وهنا يأتي دور الحزب المنتظر والمنشود. ولهذا فقد عملت الدولة المغربية عبر عقود من الزمن على إفراغ العمل الحزبي من مضامينه المفترضة وساهمت في تمييع المشهد السياسي كما ساهم في ذلك البعض ممن كان مرجوا منهم النضال أيضا، دون وعي طبعا. وهذا مقصود. لأنها تع بشكل قطعي ألا حل ممكنا خارج العمل السياسي وقد نجحت في ذلك حقا. وهذا ما نأمل أن يتداركه حزبنا اليوم قبل فوات الأوان.

5- أخيرا الرفيق عادل، ما هي رسالتك للشباب المغربي بصفة عامة والشباب اليساري بصفة خاصة؟

الرسالة الصحيحة والعاجلة اليوم، لا يجب أن توجه للشباب. في حقيقة الأمر، وجب أن نوجهها لشيوخنا، لقادتنا الأعزاء. وجب عليهم ترك الشباب لتحمل مسؤوليتهم التاريخية، كما تحملوها هم من قبل وحاولوا، مهما كانت النتيجة والحصيلة. وجب عليهم التخلص من العقلية الأبوية والتي ما هي إلا انعكاس لمجتمعنا الباطريركي، الشبه اقطاعي. وقد تبين في كل المحطات القريبة (عشرين فبراير، حراك الريف، الحراك التعليمي…) أنها -هذه العقلية البالية- لا تفعل شيئا سوى الفرملة، فرملة حركة التاريخ. شيوخنا، لا يريدون الإعتراف بأخطائهم، يعتقدون أن هذه الخيبات المتتالية والإنتكاسات نتيجة لشيء آخر خارجي غير أخطائهم وتقديراتهم الغير صحيحة تماما. هذا ما أثبته التاريخ والوقائع. وقائع التنظيمات اليسارية بالمغرب، والمجتمع وتفسخه ككل. ويعيدون، دون وعي منهم (ولا نريد لحدود الساعة اتهام أحد بوعيه التام بهذه الكوارث) إعادة إنتاج نفس النمط السائد، نفس الحركية بأشكال مشوهة. أما الشباب المغربي واليساري بالخصوص، فلا يحتاج إلى النصائح، بل يحتاج إلى إفساح المجال له، ودعمه، والدفع به نحو المراكز القيادية. ويحتاج من الشيوخ، القادة، كل القادة نقدا ذاتيا صارما، كي لا يعيد الشباب تكرار نفس الأخطاء والتي ستسقطه لا محالة في نفس الأفخاخ. إن الشباب اليوم يحتاج إلى الدعم، ثم الدعم، ثم الدعم. ولا شيء آخر سوى الدعم.