معاد قنودي/العيون

الساعة تشير إلى الثانية عشرة زوالا، يمشي “ميلود” ذو 64 عاما بخطوات ثقيلة، متفقدا ببصره قطيعا صغيرا من الأغنام، التي تبدو منتعشة بأشعة الشمس وسريعة في الوصول أسفل “المقطع الجنوبي” لوادي الساقية الحمراء، الذي يحد مدينة العيون ويجاور بيوتها ومساكنها لعشرات الكيلومترات، وفور وصوله أعلى صخرة مطلة على هذا المشهد، يقف الشيخ متأملا ومراقبا، وكأنه في خضم مقارنة بين الأمس واليوم.

وادي الساقية الحمراء الذي تجري في جوفه مياه الأطلس، وتنفجر منابعه في “كلتة زمور” الحدودية مع الجزائر، تتنوع روافده وتنتهي رحلته بالصب في المحيط الأطلسي، هذه الرحلة تحدث تقريبا مرة واحدة كل أربع سنوات، حيث يفيض الواد بشكل متفاوت ليغذي السديمة المائية المتواجدة بالمنطقة، ويقذف بالمياه المتبقية في عرض البحر.

يحكي لنا ميلود الذي جاور واد الساقية منذ سنة 1976، عن حوليات الماضي وأحداث راسخة في الذاكرة الشعبية مثل: “عام النكد، عام الحنك، خنكت سكوم، فيضان2016″، حيث يصف فيضان الواد كونه: “بقدر ما يخلف ضررا كبيرا بقدر ما يعقبه خير كثير”.

أصر الرجل على توجيه قطيعه لأماكن محددة، حيث يحمل حجرة ويشير بها قرب أغنامه، وحين سؤالنا عن الحركة أجاب: “إنني حريص على عدم وصول الخراف إلى تلك البركة”، موجها سبابته لمستنقع من المياه العادمة، تراكمت بفعل سنوات طويلة من تفريغ شبكات الصرف الصحي وسط هذا الفضاء الذي أطلقت عليه المصالح المختصة اسم: “المقطع الجنوبي”.

مجموعة متناقضة من المشاهد تلف هذه البنية الطبيعية التي امتدت لمئات الأمتار، فمشهد المرعى والشيخ جزء صغير داخل واحة كبيرة شكلتها أشجار القصب وأشجار الطلح أسفل مجرى الوادي، مع غطاء نباتي مهم احتضن أنواعا متعددة من الطيور المهاجرة وخاصة أسراب “النحام” الوردية التي تقف ثابتة وسط الأماكن المكشوفة، دون أن ننسى عشرات المساكن التي تطل مباشرة على هذا المقطع، ويشتغل غالبية أهلها في تربية الماشية، خصوصا كبار السن منهم.

 بجانب المقطع الجنوبي، شيدت محطة صغيرة لمعالجة المياه العادمة، تدخل في إطار مشروع بناء أربع وحدات للتطهير السائل وتصفية المياه العادمة بالمدينة، المشروع أعلن عن انطلاقه الفعلي سنة 2022، وتطلب إنجازه مبلغ 450 مليون درهم، ممولة بشراكة بين وزارة الداخلية والوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، يهدف إلى حماية الوسط الطبيعي، وتحسين الظروف الصحية للمواطن، والحفاظ على الفرشة المائية لفم الواد التي لها أهمية كبرى في تزويد ساكنة مدينة العيون بالماء الصالح للشرب، ومع اعتراف المصالح الجماعية للمدينة بخطورة الظاهرة، ومحاولتها محاربة مخلفات تلوث وادي الساقية الحمراء عبر حملات تنظيف ورش المبيدات، بغية الحد من انتشار الحشرات والقوارض.

استرسل الشيخ حديثه بأسف بارز، حول واقع هذه الرقعة الملوثة وكيف أثرت مباشرة عليه وعلى أسرته وعلى صحة مئات الساكنة المحيطة، ناهيك عن قطيعه الذي كان فيما مضى يحتوي عددا أكبر من رؤوس الماشية، مشيرا إلى مكان متصحر داخل الوادي: “هنا قبل عشرين سنة كانت قطعة أرض نقية تحتوي أشجارا ونباتات ترعى فيها ماشيتي أما الآن فقد جفت”، مؤكدا على أن تلوث الوادي شكل سببا مباشرا لتغيير الملامح الطبيعية وتصحرها على مدى سنوات، مضيفا: “يشتكي الساكنة من تكاثر البعوض مساءا وانتشار القوارض والروائح العفنة.. نحن ننتظر رحمة الله ونزول المطر فوحده فيضان الوادي كفيل بإصلاح ما يخلفه البشر”.