ذ. هشام الزمراني

على سبيل التمهيد الحلقة الأولى

من هي حانا ارندت؟
سؤال يدخلنا في نمطية قبلية تشرط كل جواب عنه، نمطية تختار طريقا برانيا يلتقي عتد معلومات عن ولادتها، حياتها، اعمالها، موتها، وبشكل سردي بارد ويسكنه وعي سعيد.
لن نسقط في هذا الفخ!
ارندت هنا ضمن افق اشكالي يحدد ما الذي يجب استهدافه للجواب ،وعلى سبيل التمهيد، على السؤال السابق(وكم هو
خبيث!)سنقدم بيوغرافيا مركزة يليه عرض مضموني اشكالي يقدم الفضاء الذي سكنته اهم اعمالعا، قبل التطرق لتحليلها للعنف والسلطة، وكيف تباعدت عن ارث باكمله في الفلسفة السياسية يمتد حتى افلاطون.

لنقل، انها مفكرة المانية معاصرة لطالما رفضت ان تنعث بالفيلسوفة، لصالح اعتبارها لذاتها كمتخصصة في النظرية السياسية غير ان اغلب المهتمين بارثها يعتبرون اسهاماتها في تحليل الانظمة الكلبانية(الشمولية) وكيفية اشتغالعا،وكذلك تحليلاتها للثقافة الحديثة ،اسهامات جددت الفلسفة السياسية بشكل اصيل.

مرحلة الشباب
ولدت هانا أرندت في هانوفر بألمانيا عام 1906 لعائلة من اليهود العلمانيين.

في سن 18 ، ذهبت لدراسة الفلسفة واللاهوت في جامعة ماربورغ ، حيث درست لدى هايدجر ، ثم كانت تسافر إلى فرايبورغ لتحضر محاضرات هوسرل. أخيرًا ، أكملت تكوينها مع كارل جاسبرز في جامعة هايدلبرغ. وبتوجيه من هذا الأخير ، كتبت أطروحتها “مفهوم الحب لدى القديس أوغسطين”.

منذ عام 1933 ، ووصول هتلر إلى السلطة ، أصبح الوضع خطيرًا عليها في ألمانيا. تم القبض عليها من قبل الجستابو ، ثم أطلق سراحها.
تمكنت من الوصول إلى فرنسا
اعتقلت فيها ، وتم احتجازها في كيب جورس ،الى ان تمكنت من الهرب إلى البرتغال. وبفضل اتصالاتها مع دبلوماسي أمريكي ، حصلت على جواز سفر إلى أمريكا واستقرت في نيويورك.
.سنة 1951 كانت سنة مفصلية في مشارها، اذ نشرت عملها الأساسي “أصول الكليانية(الشمولية) ” وبدأت سلسلة من الم. حاضرات في جامعات أمريكية مرموقة (برينستون ، وبيركلي ، وكولومبيا ، وما إلى ذلك)في سياق تاريخي كان الحضور الأكاديمي للمراة ناذرا.

بعد بضع سنوات ، نُشرت كتابان آخران ، حالة الإنسان الحديث1958) وأزمة الثقافة (1961) ، مما أكسبها شهرة واثار الانتباه فلسفيا لفكرها.

سافرت إلى القدس لتغطية محاكمة أيخمان، لتستلهم من التجربة مفهومها الاشكالي “تفاهة الشر” الذي خلق جدلا فلسفيا واسعا(سنعود له لاحقا)

في عام 1963 ، كان التتويج ، اذ حصلت على كرسي العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ، ثم تم تعيينها أستاذًا سنة 1967 في كلية نيويورك للبحوث الاجتماعية. وفي هذه المدينة “ توفيت في عام 1975

الأعمال الرئيسية

Le Concept d’Amour chez Augustin، Rivages، Paris، 2000
أصول الشمولية ، غاليمارد ، باريس 2002
حالة الرجل المعاصر ، بوكيت ، باريس ، 2002
الأزمة الثقافية ، باريس 1989
ايخمان في القدس. تقرير عن تفاهة الشر ، غاليمار ، باريس 2002
في الثورة ، فوليو ، باريس 2013

يمثل مفهوم العنف مفهوما اشكاليا بامتياز،ومفتاحا ملكيا لقراءة التاريخ، “الطبيعة” الانسانية،وبالطبع مجال السياسة.. ساقترح عليكم عرضا مركزا لاهم ما دافعت عنه هذه المفكرة المشاغبة،حانا ارندت.
سندرك جميعا كيف تموقعت ضد تقليد فلسفي سياسي يمتد من افلاطون الى ماركس، كما سنتعرف بمعيتها،على مفهوم مغاير عن السلطة والمشروعية والسيادة، واعادة صياغة العلاقة بين السلطة والعنف، مع اسهام اصيل منها في مجال مشروعية العنف وقابليته للتبرير،وهذه مقدمات ممكنة للقيام بتحليل متباعد لواقعنا السياسي.
وصلة اولى :
كل تعريف نفي، ويمكن اعتماد النفي استراتيجية لبناء افق اطروحات،اي التعرف عليها من داخل ما ليست اياه،وما تاسست على نفيه والتباعد عنه.

العلاقة بين السياسة والعنف في فكر حانا ارندت، كما تناولتها كمادة للتحليل في ثلاثة توقيعات لها:”حول الثورة” ،”حول العنف” و “ماعي السياسة؟” (1963)،علاقة تتموقع خارج افق ممتد الي الاغريق.
دعونا نستدعي مفكرا معاصرا كان فيبيريا، وهو جورج فروند، الذي يعرف السياسة في كتابه “ما السياسة؟”، علي انها فعل اجتماعي يهدف لضمان الامن الخارجي لوحدة سياسية ما، والتعايش الداخلي ولو” باستخدام القوة القائمة على الحق” لتحقيق الامن بين مكونات متناقضة في الميولات والمصالح.

السياسة هنا تستدمج العنف وتتاسس عليه، وهذا ما يعيدنا الى فهم للسلطة يربطها بالاكراه والهيمنة، بغض النظر عن اشكال تعليل هذه الهيمنة،كما بعيدنا لمحورية العنف في تعريف السلطة، وفي تحديد بنية الحكم.
وصلات مركزة:
منذ الاغريق(الذين تاسست ديمقراطيتهم علي عنف ينتمي لما قبل السياسة كما سنبين مع ارندت) داقعت السوفسطائية عن ربط السلطة بالقوة،والخضوع لها بالاكراه، فلاسلطة لاي حق في ذاته على انسان هو مقياس كل شيء، وان خضع فخشية القوة المختفية/المؤسسة للسلطة، ومن باب العجز عن خرقها (اسطورة جيجيس.. من راعي غنم يمارس عليه الاستبداد، الى اكتشاف سلطة التخفي/الخاتم السحري، الي اغتيال الملك وتزوج الملكة.. وصولا لممارسته ما كان يمارس عليه، وكان خاضعا له من باب العجز)

هوبس سيربط الانتقال من حالة الطبيعة حيث الانسان ذئب لاخيه الانسان، بما هو عدواني وعنيف بطبعه، الى حالة التمدن،ليس بالغاء العنف الطبيعي، بل بالتنازل الجماعي عنه، للدولة التي سيكون اداتها لتحقيق الغاية من التعاقد على خلقها، اي الامن والتعايش السلمي(كتابه التنين)

ماكس فيبر يميز الدولة عن المجتمع بمعيار يمثله العنف ،اذ تتميز الدولة بكونها الطرف الذي يحتكر”مشروعية العنف” ،اي حق استخدامه وامتلاك وسائله، بغض النظر عن مصدر مشروعية سلطة الدولة،اي اكان احتكارها للعنف باسم الماضي الازلي(الحكم الوراثي)، او باسم كاريزم الحاكم (الانطمة الكليانية، الانظمة التي يعانق فيها الحاكم المطلق، ويكون فردا بما فيها، احبانا سلطة الانبياء) ،او باسم الشرعية الديمقراطية..
يبدو العنف هنا اساسا للسلطة التي تجر معها، مفاهيميا، الاكراه والهيمنة،كما انه موضوع صراع يمس من يستأثر به، اذ لايمكن ان توجد سلطة ،ويوجد عنف خارجا عنها.

بالنسبة لحانا،هناك علاقة بين السياسة والعنف، لكنها تتاسس على افق الفصل بينهما، علاقة ستعيدنا لما تسميه ارندت المجال قبل السياسي الملازم لبدايات تشكل المجال السياسي ،والى اشكال انتفاء السياسة من خلال العنف كما في الانظمة الكليانية /الشمولية(النارية والستالينية… نماذج).

“فالعنف قد يهدم السلطة، لكنه بالتاكيد عاجز على خلقها”

فما السلطة؟ وما شروط ظهورها ومعها المجال السباسي لدى حانا ارندت؟
ما الاليات الكفيلة بجعل هذه السلطة تبقى بعيدة عن دائرة عنف لايمكنه الا ينفيها؟
وضمن الافق الاداتي الذي لايدافع عن الشيء في ذاته، كيف يمكن للعنف ان يكتسب تاريخيا ،مشروعية ؟
هل تستعيد ارندت، التصور الهبجلي الذي يستدمج العنف ضمن اكتمال العقل في التاريخ كما تمثله الدولة؟
ام تربط هذه المشروعية الاداتية،تاريخيا،بمدى مشروعية الاوضاع السياسبة التي يوظف العنف ضدها،بحيث يكون العنف لاستعادة الحق، وبالتالي عنفا ينفي ذاته؟